إذا أردت أن تعرف عن تاريخ اليمن القديم وعبقرية مملكة سبأ اليمنية ، فإن سد مأرب يعد من أقدم السدود في العالم، وكان رمزاً مهماً جداً للحضارة السبئية التي ازدهرت في اليمن القديم.
كان هذا السد يقع في محافظة مأرب شرق صنعاء، وكان عاملاً رئيسياً في التنمية الزراعية والاقتصادية لمملكة سبأ، وكان بمثابة القلب النابض للبلاد!
في هذا المقال سنتحدث عن سد مأرب في اليمن، معجزة هندسية عبر العصور، وما الذي أثار إعجاب الناس به، وماذا حدث عندما انهار، وكيف تم تجديده في العصر الحديث.
تاريخ سد مأرب.. من الازدهار إلى الانهيار
المبنى الأول : عبقرية الهندسة في سبأ
نعود هنا إلى زمن بعيد جداً، في القرن الثامن قبل الميلاد، عندما كان الملك السبئي “سمه علي ينف” وابنه “يثع أمر بين الأول” أول من فكر في بناء هذا السد، وكان هدفه بسيطاً: تخزين مياه الأمطار والاستفادة منها في ري الأراضي الزراعية.
كان السد يقع في وادي دهنة الذي يمتلئ بالسيول والمياه في موسم الأمطار، والجميل في الأمر أنهم استخدموا نظامًا هندسيًا متقدمًا جدًا في عصرهم، حيث كانت هناك قنوات ومصارف للتحكم في المياه.
الانهيارات المتكررة والترميم لـ سد مأرب
للأسف لم يتم بناء سد مأرب مرة واحدة، بل تعرض للانهيار عدة مرات بسبب الفيضانات والزلازل، فضلاً عن الحروب والإهمال.
- القرن السادس قبل الميلاد: انهار سد مارب لأول مرة، لكن الناس في ذلك الوقت تمكنوا من إصلاحه بسرعة.
- القرن الأول الميلادي: قاموا بتوسيع السد بشكل كبير مما أدى إلى زيادة قدرته على تخزين المياه مما عزز الاقتصاد الزراعي.
- القرن السادس الميلادي: كانت هذه الكارثة الكبرى، فقد انهار السد بالكامل ولم يتمكن أحد من إعادته إلى حالته السابقة، وكانت نتيجة هذا الانهيار كارثية، حيث اضطر الناس إلى مغادرة المنطقة والانتشار إلى أماكن أخرى مثل الحجاز والشام والعراق.
التصميم المعماري والهندسي لسد مأرب
المواصفات الهندسية لسد مأرب القديم
- الطول : حوالي 720 مترا.
- الارتفاع: حوالي 15 متراً.
- القدرة التخزينية: ما بين 50-100 مليون متر مكعب من المياه.
- مواد البناء: استخدموا أحجاراً ضخمة وطبقات من الطين لمنع تسرب المياه.
آلية عمل سد مارب
كان سد مارب يجمع مياه الأمطار والسيول القادمة من الجبال، ثم يوزع هذه المياه على المزارع عبر شبكة متطورة للغاية من قنوات الري. وكانت هناك منافذ خاصة للتحكم في مستوى المياه، مما يشير إلى أن أهل عصرهم كانوا يتمتعون بفهم كبير للهندسة.
الأهمية الاقتصادية والثقافية لـ سد مأرب
1. تعزيز النشاط الزراعي
كان السد عاملاً رئيسياً في ري آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية. كان الناس يزرعون كل شيء: الحبوب والفواكه والبقوليات. لذا كان السد عاملاً في استقرار المجتمع ونمو المدن.
2. الدور المحوري في التجارة
وقد ساعد الإنتاج الزراعي الوفير على تصدير اللبان والبخور والسلع الزراعية الأخرى إلى دول مثل مصر وبلاد ما بين النهرين. وحتى طريق اللبان الشهير كان يعتمد على السد لتوفير الإمدادات الغذائية للقوافل التجارية.
3. تأثيره على الاستقرار السياسي والاجتماعي
كانت مملكة سبأ من أقوى الممالك في شبه الجزيرة العربية بسبب سد مارب، وعندما انهار السد في القرن السادس الميلادي انهارت المملكة معه، وهجر أهل المنطقة.
إعادة بناء سد مأرب في العصر الحديث
مبادرة زايد بن سلطان آل نهيان
في عام 1986 أمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة آنذاك بإعادة بناء السد، وتم بناء السد الجديد باستخدام أحدث التقنيات الهندسية مع الحفاظ على الموقع التاريخي للسد القديم.
مواصفات سد مارب الحديث
- الطول : حوالي 763 متراً.
- الارتفاع: 38 مترا.
- القدرة التخزينية: 400 مليون متر مكعب.
- مواد البناء: الخرسانة المسلحة.
الفوائد الاقتصادية لإعادة بناء سد مارب
- إعادة الحياة للقطاع الزراعي في مأرب.
- توفير مصدر مستدام للمياه للزراعة والاستخدام اليومي.
- ساعد في تحسين حياة الناس ووقف الهجرة الريفية.
التحديات التي يواجهها سد مارب اليوم
- تغير المناخ: انخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يؤثران على كمية المياه.
- التعديات البشرية: يقوم الناس بإحضار المياه بطريقة غير منظمة، مما يسبب استنزاف الموارد.
- التوترات الأمنية: تشهد المنطقة المحيطة بالسد صراعات تؤثر على أعمال الصيانة واستغلال الموارد.
الفروقات بين سد مارب القديم وسد مارب الحديث
المعيار | سد مأرب القديم | سد مأرب الحديث |
---|---|---|
فترة البناء | القرن الثامن قبل الميلاد | 1986 |
ارتفاع | 720 متر | 763 متر |
ارتفاع | 15 مترا | 38 مترا |
سعة التخزين | 50-100 مليون متر مكعب | 400 مليون متر مكعب |
مواد البناء | صخور ضخمة وطين | الخرسانة المسلحة الحديثة |
من هو الملك الذي بنى سد مأرب؟
صديقي، سد مأرب هو أحد أعظم الإنجازات الهندسية التي حققتها الحضارة السبئية القديمة. بالطبع هذا السد لم يبنى دفعة واحدة، ولم يبنه ملك واحد، بل هو نتاج قرون من العمل.
أولاً: تقول بعض المصادر أن أول من شرع في بناء السد هو الملك “يثم بن سماحلي ينوف” وكان ذلك في الفترة ما بين 1750 و1700 قبل الميلاد أي أن عمر السد حوالي 3700 سنة! هذا الملك أراد بناء حاجز لتخزين مياه الأمطار والسيول القادمة من الجبال.
فترات الترميم والتوسعة: بطبيعة الحال، لم يتم الانتهاء من بناء هذا السد دفعة واحدة، فمع مرور الوقت قام العديد من الملوك بترميمه وتوسيعه.
- الملك “يدع إل بين”:كان هذا الملك أحد الملوك الذين أجروا إصلاحات كبرى على السد، وقد حكم من عام 780 إلى 750 قبل الميلاد، وكان عليه أن يعيد ترميم السد لمواجهة الفيضانات التي هددته.
- الملك “كرب إل بين بن يثع أمر”: كان له دور كبير جداً، حيث قام ببناء أجزاء جديدة من السد وتقوية الأجزاء القديمة لتحمل ضغط المياه.
- الملك “ذمار علي ذرح”: وهو أيضاً من الملوك الذين ساهموا في تحسين السد وإضافة التعديلات عليه.
- الملك “يدع ايل وتر”: كان له أيضاً أثر في تقوية السد وإعادة بناء الأجزاء المنهارة.
باختصار: سد مأرب ليس مشروع ملك واحد فقط.
إنه نتاج جهود متراكمة على مدى قرون عديدة، حيث أضاف كل ملك شيئًا جديدًا أو أصلح الأجزاء القديمة، وهذا يعني أن هذا السد كان شيئًا يتطور مع الزمن، وكل جيل فعل شيئًا مختلفًا فيه.
وإذا نظرنا إلى هذا الموضوع نجد أن سد مأرب كان رمزاً لحضارة بأكملها، وحاول كل ملك أن يترك بصمته عليه، وهذا ما جعل السد واحداً من أعظم الإنجازات الهندسية في التاريخ.
خاتمة
سد مأرب ليس مجرد سد، بل هو إنجاز هندسي عظيم يشهد على عبقرية أجدادنا، وبعد تجديده في العصر الحديث أصبح ركيزة أساسية في التنمية الزراعية والاقتصادية لمحافظة مأرب، ولكن من أجل الحفاظ عليه لابد من مواجهة التحديات البيئية والسياسية التي تؤثر عليه.
إن الحفاظ على سد مأرب يعني أننا نحافظ على تراثنا الثقافي الذي أذهل العالم منذ آلاف السنين، وكأننا نحافظ على جزء من تاريخنا ومستقبلنا في نفس الوقت.